jeudi 16 avril 2015

مبادئ في أصول النحو



بسم الله الرحمن الرحيم
تلخيص من كتاب مبادئ في اصول  النحو  للدكتور بن لعلام مخلوف
مدخل
بين علم النحو وعلم أصول النحو
النحو كما عرفه بعض النحويين القدماء علم بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب. إذ أن العربي الفصيح كان يجري كلامه على قواعد و قوانين لها وجود ضمني في ذهنه فإذا سلمنا بهذا فما هي هذه القواعد والقوانين المعروفة عنده بالسليقة؟
هذا هو السؤال المحوري الذي كان يشغل بال النحاة منذ التأسيس وما كان لهم بد من الإجابة عليه إلا بجمعهم لمدونة ثرية التي كانت بمثابة الشواهد التي من خلالها استنبطوا تلك المقاييس وإثبات صحتها بهذا الدليل  النقلي وقد سموه السماع وبأدلة عقلية أخرى كحمل النظير على النظير واستنباط الحكم المشترك أي القياس.. فكانت تلك الأدلة التي لجأ إليها النحوي لاستخلاص مادة النحو هي موضوع علم أصول النحو ومن ثم فإن "علم أصول النحو علم تعرف به أدلة النحو وأقسامها وكيفية إجرائها لأجل الاستدلال على أحكام النحو وإثبات صحة هذه الأحكام"[1] ولذلك عرفه ابن الأنباري بقوله "أصول النحو أدلة النحو التي تفرعت منها  فروعه وفصوله[2]"
والأدلة جمع دليل وهو" ما يرشد الى المطلوب وقيل معلوم يتوصل بصحيح النظر فيه الى علم ما لا يعلم  في العادة اضطرار..." [3]
ولم يخرج السيوطي عن هذا ولكن أضاف انشغالا جديد -إذ قال" هو علم يبحث فيه عن أدلة النحو الإجمالية من حيث أدلته، وكيفية الاستدلال ، وحال المستدل"[4]- وهو ضرورة اهتمام هذا العلم بحال المستدل أي الأصوليين المشتغلين بهذا العلم وذلك ببيان الشروط والصفات التي يجب أن تتوفر فيهم.
      يقول ابن الأنباري في فائدة هذا العلم: التعويل على إثبات الحكم على الحجة والتعليل والارتفاع عن حضيض التقليد الى يفاع الاطلاع  على الدليل ، فإن المخلد الى التقليد لا يعرف وجه الخطأ من الصواب، ولا ينقل في أكثر الأمر عن عوارض الشك والارتياب"[5]
    إذا فالسؤال المحوري الذي يدير عليه المشتغل بعلم أصول النحو بحثه هو الآتي: ما هي الأدلة والوسائل النقلية والعقلية التي استند إليها النحوي في اكتشاف قواعد نحو العربية وإثبات صحتها؟
وإذا كانت قواهد النحو سابقة في الوجود على علم النحو باعتبار أنه كان لها وجود ضمني في عقل العربي المتكلم، وأن له علما بها بالسليقة قبل ظهور هذا العلم ، فإن أدلة النحو وأصوله كانت ماثلة في اذهان النحويين قبل ظهور علم أصول النحو وكانو يجرونها في بحوثهم وتحليلاتهم واستدلالاتهم ضمنيا إلا أنهم  لم يتخذوها كموضوع لهم  لأن همهم كان الوصول إلى استخراج أحكام النحو.[6]
ولقد  كان من وضع حجر الأساس لهذا العلم ابن جني من خلال كتابه الخصائص وهذا بعد قرنين من ظهور ونضج علم النحو فإذا كان النحويين قد فتشوا عن قواعد النحو وأحكامه من خلال النصوص العربية الفصيحة فإن المشتغل بأصول النحو لم يكن له بد من التفتيش عن  تلك الأدلة- التي اعتمدوها في استخراج أحكام النحو- إلا من خلال كتب النحو وأخصها كتاب سيبويه.[7]
     ولقد ظن بعض الغويين أن كتاب الأصول في النحو لابن السراج  كتاب في أصول النحو، وقد ضللهم عنوانه، فنسبوا إليه السبق في التاسيس والحق إنه كتاب في علم النحو إذ كثيرا ما كان النحويين في ذلك العهد يطلقون لفظ الأصول على قواعد النحو.
   ولم يستقر علم أصول النحو على هذه التسمية إلا ابتداء من ظهور كتاب ابن الأنباري: لمع الأدلة  في أصول النحو ثم بعد ذلك كتاب السيوطي : الاقتراح في أصول النحو وقد ألفا كتابيهما على غرار أصول الفقه تأثرا به وقد ادعى كل منهما السبق في تأسيس هذا العلم وضبط موضوعاته غير أن كتاب الخصائص يثبت أن ابن جني كان أول  من عبد الطريق لهذا العلم فكتابه وإن طغت عليه مباحث تتعلق بفقه اللغة والنحو والصرف فقد تضمن كثيرا من مسائل أصول النحو وقد استند ابن الأنباري إليها ولم يخفيا ذلك.[8]
   وقد اختلف المشتغلون بهذا العلم في تحديد أدلة النحو عددا ونوعا –وإن أجمعوا على السماع والقياس - فرأى ابن جني أنها السماع والقياس  والإجماع، ورأى ابن الأنباري أنها السماع والقياس واستصحاب حال الأصل وجعلها السيوطي أربعة: السماع والقياس والاجماع واستصحاب حال الأصل.[9]
وجاء المحدثين واختلفوا هم أيضا في تحديدها فقال الدكتور حلمي خليل بثلاثة أصول وهي السماع والقياس ونظرية العامل[10] وقال الدكتو محمد عيد في كتابه أصول النحو العربي في نظر النحاة ورأي ابن مضاء وضوء علم اللغة الحديث بخمسة فصول وهي السماع والقياس ونظرية العامل والتقدير والتعليل[11]
أثر التسليم بحكمة الواضع في بناء النظرية النحوية القديمة
    إن مسلمات مضمرة تتسلل الى الخطاب العلمي عبر سبل لا تخضع لأية مراقبة عقلية واعية وتستقر داخل كل فرضية مهما تكن واضحة وبسيطة في نظر المتداولين[12] ولقد ارتبطت تلك المسلمات بالبنية الذهنية الإسلامية و بالعقلانية العربية المتشدقة بضروب الفصاحة والبيان بيد  أنه كان للقرآن الأثر السيكلوجي  البالغ على المجتمع الناشئ.
    لقد كان اهتمامهم بالتعمق في دراسة اللغة العربية نابغا أساسا من اشتغالهم بدراسة القرآن وقراءته وتفسيره وليس أدل على ذلك من من بداية أبي أسود الدؤلي في ضبط قراءة القرآن بوضع رموز لحركات الاعراب كانت بداية نشأة علم النحو.[13]
  
   وقد نظر المسلمون منذ وقت مبكر وربما بوحي من القرآن نفسه إلى العالم بوصفه رمزا دالا –تماما كما أن اللغة رمز دال- يدل على حكمة خالقه، وهي علامة على الانسان أن يتأملها وأن يقرأها ليصل الى  الخالق وحكمته في الخلق كما أن المتأمل في العربية يصل الى حكمة العرب[14]
وما كان النحاة الأوائل بمنأى عن كل هذا فكانوا يسلمون هم أيضا بحكمة واضع العربية فكانو يعقدون الأبواب على الأصول ويعللون خروج هذه الفروع عن أصل بابها  لإثبات حكمة الواضع ذلك أن خروج بعض النظائر عن أصل بابها  ومجراه وقياسه إنما هو مطعنة في حكمة الواضع إن لم تكن هناك علة داعية الى ذلك[15] يقول سيبويه"فليس كل حرف يحذف منه شيء ويثبت فيه نحو يكُ ويكن ولم أبَل ولم أبال،لم يجعلهم ذلك على أن يفعلوا بمثله ، ولم يحملهم إذا كانوا يثبتون فيقولون في مر: أومر أن يقولو في خذ أوخذ وفي كل أوكل فقف على هذه الاشياء حيث وقفوا ثم فسر"[16] ويقول أيضا وليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجها"[17] ويعلق على هذا القول ابن جني فيقول إن قوله هذا ينطوي على أصل يدعوا إلى البحث  عن علل ما استكرهوا عليه، ويأخذ بيد النحوي الباحث إلى ما وراء ذلك  فيستضيء به، ويستمد التنبه عن الأسباب والمطلوبات[18] لأجل ذلك رأى ابن جني وهو على مذهب سيبويه أنه متى وجد النحوي كلاما للعرب الموثوق بعربيتهم لا يجري على أصله، وجد له ضربا من القياس ما أمنكنه ذلك وهو أحسن من أن يحمل على الشذوذ[19] كحمل ما الحجازية على ليس في العمل وأصلها أن لا تعمل لأنها غير مختصة بفعل أو بإسم، وذلك لعلة اشتراكها مع ليس في معنى النفي فقد خرجت ما النافي هذه من باب ما لا يختص ولا يعمل  ودخلت في باب ما يختص ويعمل وهو باب ليس وخروجها عن أصلها إنما جرى لعلة تكشف عن حكمة العرب الحجازيين إذ شبهوها بليس لأن معناها كمعناها وقاسوها عليها وأعملوها عملها لأجل ذلك ومثل ذلك حمل اسم الفاعل على فعله المبني للمعلوم في العمل واسم المفعول على فعله المبني لما لم يسم فاعله في العمل ونحو ذلك كثير[20]. بل ولم يكتف النحاة القدماء بتعليل ماعدل عن أصله فحسب بل عللوا كذلك ما استغنى عنه العرب من اللفظ وتركوه وهو محتمل في القياس جعلهم يتساءلون عن علة تركه والاستغناء عنه ولا جرم عندهم أن وراء ذلك حكمة من ذلك تعليل الخليل لترك العرب في الاستعمال المثالين(فِعل)و(فُعل) على الرغم من أنهما محتملان في القسمة التركيبية لمثل الفعل الثلاثي المجرد فالمحتمل في هذا الاسم اثنا عشر مثالا ولكننا لا نعثر في الاستعمال الا على عشرة منها متداولة ومستعملة فيعلل ذلك بثقل الانتقال من ضم الى كسر أومن كسر الى ضم.[21]
والقسمة التركيبة استفراغ لجميع التراكيب التي تحتملها المجموعة من العناصر، وذلك مثل الحروف الأصول للكلم فإن للخليل بين بالنسبة للثلاثي مثلا أن فيه ستة احتمالات في تركيب حروفه وأن للرباعي أربعة وعشرين احتمالا..[22] 
ولكن ما تحتمله القسمة لا يخرج كله إلى الاستعمال لعلة تدل على حكمة الواضع يقول ابن جني: أما إهمال ما أهمل مما تحتمله قسمة التركيب في بعض الأصول المتصورة أو المستعملة، فأكثره متروك للاستثقال وبقيته ملحقة به ومقفاة على أثره[23] ومثل ذلك مما أهمل ما استغني عنه بغيره  مثل وذر وودع استغني عنهما بترَك وهما محتملان في القياس ونظائرهما المستعملة كثيرة نحو: وضع وقع  وغير ذلك كثير.يقول سيبويه" وجاء استحييت على حاي مثل باع وفاعله حاء مثل بائع مهموز وإن لم يستعمل كما أنه يقال يذر ويدع ولا يستعمل فعل وهذا النحو كثير"[24] وكأني بالنحاة لما "كانت الأصول ومواد الكلم معرضة لهم وعارضة أنفسها على تخيرهم جرت لذلك عندهم مجرى مال ملقى ببين يدي صاحبه، وقد أجمع إنفاق بعضه دون بعضه الآخر فميز رديءه  وزاءفه عن جيده فنفاه ألبتة كما نفو عنهم ما قيح من تأليفه ،ثم ضرب بيده ما أطف له من عرض جيده فتناوله للحاجة اليه وترك البعض لأنه لم يرد استيعاب جميع ما بين يديه منه"[25]
 من أجل ذلك يقرر المازني بحكمة الواضع  فيرى أن كل " ما فعلوه فله مذهب وحكمة"[26]
      ولعل أن يكون الخليل أكبر من أصل هذا النهج القائم على التسليم بحكمة واضع العربية ثم سار على نهجه تبعه تلاميذه، إذيقول ردا على من سأله عن العلل الذي أتى بها ان كانت من عنده أم سمعها عن العرب " إن الغرب نطقت على سجيتها وطباعها، وعرفت مواقع كلامها،وقام  قي عقولها علله وإن لم ينقل ذلك عنها  واعتللت أنا بما عندي أنه علة لما اعتللته منه فمثلي مثل رجل حكيم دخل دار محكمة البناء  عجيبة النظم والأقسام، وقد صحت عنده حكمة بانيها بالخبر الصادق أو بالبراهين الواضحة والحجج اللائحة، فكلما وقف هذا الرجل في الدار على شيء منها قال: إنما فعل هذا هكذا لعلة كذا وكذا ولسبب كذا وكذا..."[27]
        









الفصل الاول
النقل
ويسميه بعضهم السماع مهو الاصل الأول من حيث حجيته وأهميته عند النحاة وهو الأساس في الاستدلال على أحكام النحو فلا يصح حكم نحوي بدون دليل أو مستند من السماع أو النقل حتى ولو كان مقبولا في القياس  وفي ذلك يقرر النحاة أن السماع يبطل القياس فقولك مثلا استحاذ جار على القياس مثله مثل استقام  واستعاد واستدان تقلب فيه عين الفعل ألفا قياسا فتقول: استقام بدل استقوم ولكن العرب لم تنطق هذا الفعل أي "استحوذ" إلا على هذه الصورة إي صحيح العين ومن ثم فإن السماع  يوجب استعماله هكذا حتى ولو كان مخالفا للقياس[28] هذا وقد فضل ابن الانباري تسمية هذا الاصل بالنقل بدلا من السماع لأنه أعم من السماع إذ يشمل المسموع من العرب مباشرة والمنقول عن طريق الرواية مشافهة" فالنقل أهم بهذا المعنى وأشمل إذ يشمل السماع المباشر وغير المباشر"[29]
المبحث الأول 
تعريف النقل وشروطه
النقل" ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته فشمل  كلام الله تعالى وهو القرآن وكلام نبيه صلى اللع عليه وسلم وكلام العرب قبل بعثته وفي زمنه الى زمن فسدت الألسنة بكثرة المولدين نظما ونثرا عن مسلم وكافر..."[30]
    ويشترط فيه:
 الفصاحة : وليست إلا صفة من ترتضى عربيته ويوثق بها ويؤخذ بها اللغويون والنحويون ولا يحصل ذلك إلا بتوفر السلامة اللغوية في الفصيح أي خلو كلامه مما ليس من لغتهم من اللحن والخطأ - ووضوحه بالنسبة لأفراد المجتمع الفصيح - وأن يكون اكتسب اللغة بالسليقة لا بالتلقين وبصناعة النحو، اي تكون لغته الأولى التي تعلمها بالسمع من بيئته حيث الفصاحة وعدم انتشار اللحن ولذلك لم يؤخذ عن المولدين لأنهم عاشوا في زمان انتشر فيه اللحن بالحواضر[31]
وذهب ابن الأنباري الى تقييد صحة النقل اشتراط بما هو مشروط في نقل الحديث -من اتصال السند وعدم النقل من مجهول أوفاسق- لأن بها معرفة تفسيره وتأويله. يقول: "[32]ويشترط في نقل اللغة مايشترط في نقل الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم .." ويقول فإن كان ناقل اللغة فاسقا لم يقبل نقله"[33]  ولذلك يعرف النقل في الاصطلاح فيقول "هو الكلام العربي الفصيح المنقول بالنقل الصحيح الخارج عن حد القلة الى حد الكثرة "[34]
     فهل يشترط في نقل اللغة ما يشترط في نقل الحديث كما ذهب إلى ذلك ابن الأنباري؟
   يقول الدكتور الحاج الصالح في هذا الصدد :المبادئ العلمية لسماع علماء العرب  لمعطيات اللغة وتوثيقها خاصة مغايرة للمبادئ التي بنى عليها تدوين الحديث الشريف (من جرح وتعديل..)...وذلك لاختلاف الظروف واختلاف الزمان فسيبويه والنحاة الذين جاءو من قبله  عاشوا كلهم في زمان الفصاحة السليقية وعل هذا فالسماع من فصحاء العرب وحدهم إذا تحقق العلماء من فصاحتهم كافيا كحجة أي كمرجع علمي ويكفي أن ينسب العلماء –وهمم معروفون- ما سمعوه لإلى هؤلاء لتثبت الرواية  ويكون الثبوت مطلقا إذا أجمع العلماء على ذلك، وأصل الأصول هنا هو ثبوت فصاحة المنقول  بتبون فصاحة المنقول منه أو الناقل من العرب الفصحاء ولم يحتج النحوي منهم في ذلك الزمان الى إسناد لأنه هو أو شيخه المصدر الأول لما سمعه فإذا روى عن شيخه فيكون له إسناد الى عالم واحد فقط بينه وبين العرب فهم بالنسبة لكلام العرب كالصحابة أو التابعين بالنسبة للحديث الشريف[35] ثم إن ما نقله النحاة من شعر أو نثر كان في زمن الفصاحة  وكان معروفا متداولا بين الناس والخطأ فيه أو الغلط لا يخفى عليهم و لم يعترض على صحة نقلوه ما معترض ولذلك لم يعن سيبويه كثيرا بذكر اسم الشاعر وهو يحتج بشعره ، كما احتج أحيانا بروايتين مختلفتين لأن الرواة المختلفين أنما أخذوا من أفواه العرب الذين يحفظون الأشعار فالتغيير في الانشاد واقع من جهتهم والشواهد في كل رواية صحيحة. لأن العربي الذي غير االشعر ولأنشده  على وجه دون وجه قوله حجة . ولو كان الشعر له لكان يحتج به ألا ترى أن حطيئة رواية زهير وكثيرا رواية جميل والراوي والمروي عنه كلاهما حجة[36] ولكن من النحويين بعد سيبويه من منع الاحتجاج ببيت يجهل قائله كالمبرد [37]وابن النحاس[38]  كذالك صرح بهذا ابو البركات الانباري في الانصاف[39]  ويجاري في ذلك السيوطي ويقول وكأن علة ذلك خوف أن يكون لمولد أو من لا يوثق بفصاحته وم هذا بعلم أنه يحتاج الى معرفة اسماء  شعراء العرب وطبقاتهم [40] فلا يجوز عنده في المجهول   ولكه في همع الهوامع  كثيرا مايتغاضى طلم فيستشهد ببيت ولا يذكر اسم قائله ؤانظر مثلا همع الهوامع ص2/372-373-375[41] وكذلك الشأن مع الانباري  في الانصاف ص:1/15-16-23-27[42] وكتاب أسرار العربية:ص26-31-38-44[43]
 والحق أن الاحتجاج بكلام المجهول ليس مطعنة في منهج النحاة النحاالاوائل اذ كانوا في بيئة تسودها الفصاحة إذ سمعوا عن عرب يوثوق بعربيتهم ولم يحتاجوا إلى ذكر اسمائهم لتثبهم من فصاحتهم.
·      أما معنى قول الانباري أن يكون المنقول خارجا  عن حد القلة الى حد الكثرة هو استبعاد الشواذ وهي كثيرة يقول سيبويه" والشواذ في كلامهم كثيرة"[44] فهو ينظر الى المنقول من جهة القياس عليه باعتباره ركنا من أركان القياس، إذ أن الشاذ لا يصلح للقياس عليه، وفاته بذلك أن الشواذ الكثيرة الموجودة في اللغة الغربية جزء من واقع هذه اللغة لا يمكن التغافل عنه وهو جزء هام من المنقول "لأن كل ما صح وروده عن العرب سواء كان مطردا أم لا فهو من نقلهم وكلامهم"[45]


المبحث الثاني
مصادر النقل
1-   القرآن
يكاد النحاة يتفقون جميعا على أن القرآن الكريم هو الاصل الاول في الاستشهاد في النحو ولذلك جعله السيوطي في مقدمة المصادر في التعريف السالف الذكر لتواتره وقوة حجته.فالنحاة مجمعون على الاحتجاج به على اختلاف مآخذهم عن القراءات المخالفة لمجاري العربية وقياسها فمنهم من منع الاحتجاج بها ومنهم من أجاز. فالقراءات تختلف  في درجة الصحة والتواتر ولذلك وضع علماء الأداء  ضوابطا للقراءة الصحيحة التي يوثق بها وهي:
1-   صحة السند الى الرسول صلى الله عليه وسلم
2-   موافقتها لرسم المصحف العثماني
3-   موافقتها العربية ولو بوجه .
فقد مال بعض النحاة الى التشدد  في موافقة القراءة لمجاري العربية وقياسها فهذا الشرط الأول عند أكثرهم لقبولها والاستشهاد بها وإذا لم تكن على أي وجه من القياس ضعفوها أو خطأوا صاحبها وتحاملوا عليه  أو حكموا عليها بالشذوذ ولم يقيسوا عليها مع اعتدادهم بالشرطين الآخرين وهذه أمثلة عنهم:
يقول المازني: فأما قراءة من قرأ من أهل المدينة (معائش ) بالهزة فهي خطأ فلا يلتفت إليها وإنما أخذت عن نافع ابن نعيم ولم يكن يدري ما العربية وله أحرف يقرؤها لحنا نحوا من ذلك"[46]   فها أنت ترى المازني يخطئ قراءة تواترت عن نافع المدنيي وابن عامر الدمشقي وهما من القراء الثقات في قوله تعالى: وجعلنا لكم فيها معائش " على غير قراءة الجمهور معايش والقياس عند النحتاة يقتضي أن يقلب الحرف الثالث الزائد همزة في الجمع كما في صحيفة صحائف، عجوز عجائز  غنيمة غنائم  أما الياء في معيشة فهي أصلية ولا تقلب همزةفي الجمع فكانت هذه القراءة خطأ عنده ولحنا من القراء.
وفي المقابل نجد بعض النحاة من يتحرج في الطعن على القراء ملتزما في ذلك الصمت عد مصادفتها وربما تحاش ذكرها وإنما يعارضها لا مصرحا بتلك المعارضة لاحترامه البالغ لها ومنهم سيبويه الذي يصرح بأن القراءة القرآنية سنة تتبع ولا تصح مخالفتها[47]   من ذلك أنه لم يتعرض لقراءة ابن عامر لقوله تعالى:وكذلك زُين للمشركين قتلُ أولادَهم شركائهم" لعدم الفصل بين المتضايفين إلا في الضرور الشعرية[48]
غير أن المتأخرين شديدو التمسك بالاحتجاج بالقراءة ولو خالفت مجاري العربية" لأن قراءاتهم ثابتة بالأسانيد المتواترة التي لا مطعن فيها وثبوت ذلك دليل على جوازه في العربية وقد رد المتأخرون منهم ابن مالك على من عاب عليهم ذلك بأبلغ رد واختارو جواز ماوردت به قراءاتهم في العربية وإن منعه الأكثرون من ذلك احتجاجه على جواز العطف  على ضمير المجرور من غير إعادة بقراءة حمزة الزيات لقوله تعالى " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامِ " بجر الأرحام عطفا على الضمير المتصل بالباء " [49]وهذا مخالف للقياس الذي يقتضي عدم عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور إلا بإعادة المجرور وتكراره -وقد ذكر سيبويه هذه القاعدة القياسية ولكنه لم يتعرض لتلك القراءة بل تحاشى ذكرها لما يكنه من احترام لهذه القراءة المنقولة عن الثقات- ومن ذلك جواز الفصل  بين المتضايفين يقول فيه ابن مالك: وأقوى الأدلة على ذلك قراءة ابن عامر:وكذلك زُين للمشركين قتلُ أولادَهم شركائهم" لأنها ثابتة بالتواتر، ومعزوة الى موثوق بعربيته..."[50]
وقد كان أبو حيان الأندلسي ينقد بشدة على من يعترض على القراءة المخالفة لمقاييس العربية ومن ذلك رده على الزمخشري حين زعم أن تخفيف الهمزة الثانية في قوله تعالى "أأنذرتهم" لحن وليس من كلام العرب قال أبوحيان:" ... وقراءة ورش صحيحة النقل لا تدفع ، ولكن عادة هذا الرجل إساءة الأدب على أهل الأداء ونقلة القرآن[51]
   وقد دعا محمد الخضر حسين الى استغلال حتى القرآت المخالفة للعربية والقياس عليا لإثراء اللغة وتوسيع استعمالاتها[52] إلا أن ذلك سيفضي إلى توسع في الاستعمال تنكسر معه الأصول وتضرب قواعد اللغة وأبوابها[53] وربما كان السبب في ذلك أنه تركيب يحتاج إلى جهد  وتعمل ليمكن فهمه فضلا عن أن يتذوق ويؤلف،ولذلك لم يستعمل في أبواب الفصيح على اختلاف العصور[54] وفالموقف السليم للغويين والنحاة من مثل هذه القراءات أن يسلموا صحتها ويفسروا خروجها عن المعتاد كما عومل الشاذ من كلام العرب فإنه لم يُخرج من دائرة العربية بل سُلم بعربيته لصدوره ممن يوثق بعربيته ولم يقس عليه بل فسر  خروجه من أصل بابه وبهذه الكيفية نفسها يحسن التعامل مع القراءات المخالفة لمجاري العربية[55]






 الحديث النبوي الشريف
المانعون لاستشهاد بالحديث النبوي الشريف
قلما لجأ النحاة الأولون الى الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف   ويكفيك أن تتصفح كتاب سيبويه فعلى قلة لأحاديث الذي ساقها فإنه ينسبها الى كلام العرب قيقول مثلا " وأما قولهم كل مولود يولد على الفطرة..."[56] ونهجهم هذا كان لسببين اثنين:
1.   لاعتقادهم أن غالب الأحاديث مروية بالمعنى وعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول  صلى الله عليه وسلم إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكلية.
2.   أن هذه الأحاديث قفد تداولتها الأعاجم والمولدون فرووها بما أدت إليه عباراتهم فزادوا ونقصوا  وقدموا وأخروا وأبدلو ألفاظ بألفاظ ولهذا نرى الواحد في القصة مرويا على أوجه شتى بعبارت مختلفة.
فالحديث النبوي الذي يصح الاحتجاج به إنما الحديث الذي نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلما وروي بلفظه ومعناه وهذا نادر جدا لأن غالب الاحاديث مروية بالمعنى ولفظها غير لفظها وإن لم تغير معانيها وسبب ذلك أنهم جوز النقل بالمعنى لعنايتهم بما تضمنته من احكام وآداب ومعان سامية وحرصو على نقلها حتى ولوكانت بألفاظ غير ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم   ولأن الحديث النبوي الشريف لم يدون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بل عني بتدوينه كل للماء ومنهم علماء الحديث في بداية القرن الثاني للهجرة فكان بعد الزمن عنه هو أيضا من دواعي رواية الحديث بالمعنى لأن انتقال رواية قد يترتب عنه مثل عذا التغيير ولأن تذكر اللفظ بحذافره إذا طال قد يتوعر  أحيانا على الذاكرة ، أما المعنى فلا يسرع اليه النسيان كما يسرع الى اللفظ وليس أدل على ذلك من قول أحد الرواة وهو سفيان الثوري إن قلت لكم إني أحدثكم  باللفظ فلا تصدقوني ، وإنما هو بالمعنى أضف إلى ذلك وقوع اللحن كثيرا-على حد قول أبي حيان الأندلسي- فيما روي من الحديث لأن  كثيرا من الرواة كانو غير عرب بالطبع، ولا يعلمون اللسان العربي بصناعة النحو  فوقع اللحن في كلامهم وهم لا يعلمون بذلك... [57]   
المجيزون للاستشهاد بالحديث النبوي الشريف:
وحجتهم في ذلك إجماع العلماء على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان  أفصح العرب وأن علماء الحديث اهتموا بصحة إسناد الحديث أكثر من عنايتهم بالشعر ،ثم إن كثيرا من  الأحاديث التي نسب اليها اللحن قد ظهر لها وجه من الاستعمال في العربية الفصيحة أما ما قيل عن رواية الحديث أن ينقل بلفظه ومعناه فهو كذلك نُقل غالبا كما سُمع فإن كثيرا من المحدثين شددوا في روايته بلظه ومعناه، كماأن غلبة الظن بصحة روايته لفظا ومعنى كافية للاستشهاد به أضف إلى ذلك أن تدوين الحديث الشريف وقع في الصدر الأول قبل أن تفسد الألسنة فإذا وقع تبديل اللفظ من فصحاء يوثق بعربيتهم فهم حجة أيضا لثبوت فصاحتهم ومن هؤلاء الزمخشري ابن مالك ابن هشام السهيلي والرضي الأستراباذي...[58]
الموقف الوسط بين المنع والإجازة
وظهر فريق من المتأخرين توسطو في هذا الشأن فلم يمنعو الاستشهاد بالحديث كما لم يجوزوه مطلاقا دون قيد وشرط ومنهم الشاطبي فقد رأى أن الحديث قسمان قسم يعتني ناقله بمعناه دون لفظه فهذا لم يقع به استشهاد أهل اللسان، وقسم عرف اعتناء ناقله بلفظه لمقصود خاص كاأحاديث التي قصد بها بيان فصاحته صلى الله عليه سلم ككتابه لهمدان وكتابه لوائل بن حجر والأمثال النبوية فهذا يصح الاستتتشهاد به في العربية وابنمالك لم يفصل هذا التفصيل الضروري الذي لابد منه...
.وقد عمق الشيخ محمد الخضر حسين هذا المنهج في كتابه دراسات العربية وتاريخها   وذكر ستتة أنواع رأى أنها لا ينبغي الاختلاف في الاحتجاج بها:
1-   ما يروى بقصد الاستدلال على كمال فصاحته صلى الله عليه وسلم كقوله "حمي الوطيس"
وقوله " مات حتف أنفه"وقوله الظلم ظلمات يوم القيامة الى نحو هذا  من الاحديث القصار المشتملة على شيء من محاسن البيان كقوله : "ان الله لا يمل حتى تملوا"
2-   ما روي من امره مما كان يتعبد به او امر بالتعبد به كألفاظ القنوت والتحيات وكثير من الاظكار والادعية التي كان يدعو بها في اوقات خاصة.
3-   مايروى شاهدا على انه كان يخاطب كل قوم من بلغتهم ذلك لان الرواة قصدواهذه الاحاديث بالذات روايتها بالفظ لا بالمعنى
4-   الاحاديث التي رويت من طرق متعددة ولفظها واحد فاتحادها في اللفظ مه تعدد طرقها دليل على صحتها لفظا ومعنى
5-   الاحاديث التي دونها من نشأ في بيئة عربية لم تنتشر فيها اللحن وفساد اللغة كمالك ابن انس  والامام الشافعي
6-    ماروي عن رواة عرف عنهم أنهم لايجيزون رواية  الحديث بالمعنى مثل: ابن سيرين والقاسم بن محمد ورجاء بن حيوة.
كلام العرب
لايشترط في الفصيح التي تؤخذ عليه العربية ان يكون عربيا أصيلا قحا كما ذهب اليه الاستاذ حلميخليل في كتابه مقدمة لدراسة علم اللغة[59] بل كانت نشأته الاولى وهوطفل في اول عمره فيبيئة عربية فصيحا كان فصيحا وذكر منهم المنتجع بن نبهان وهو سندي الاصلل سبي صغيرا وكبر في وسط فصيح من بني تميم  ولم يشترطو فيع البلوغ ولا السن بل تؤخذ عن الصبي والمرءة  والشيخ
وممن عرفو بتحرياتهم الواسعة في جمع المادة اللغوية ابو عمر بن العلاء والمفضل والاصمعي وابو يزيد الانصاري وابو عبيدة والخليل ابن احمد الفراهيدي
"وكان ابو عمروا بن العلاء اول من ابتدع طريق السماع للغوي الميداني وقد تجول في البادية  قرابة أربعين سنة
ومن طرقهم في التحري لإثبات الفصاحة  انهم كانو يلجأون ال مقاييس لغوية محظة  لاسيما بعد ان اخذ اللحن يتسلل الى العربية  بفعل الاختلاط بالاعاجم في الحواضر  وقد استقرت لهم الاصول والقواعد المطردة بعد استقائهم للمسموع  كرفع الفاعل والمبتدأ والخبر وجر المضاف اليه ونصب المفعول وصياغة اسم  الفاعل ونحو ذلك فكانو يختبرون العربي  حتى يثبتوا من فصاحته قبل أن ينقلوا عنه شيئا من المسموع فقد يطلبون منه ان ينشدهم شيئا من الشعر ليوروا مدى مطابقة انشاده لتلك الاصول والقواعد التي عرفوها مما اطرد من كلام العرب الفصحاء فإذا خالف بعض تلك الأصول شككوا في فصاحته وعزفواعن أخذ  اللغة منه ، وقد يحاولون أن يلقنوه بعض العبارات الملحونة فإذا فهمها ولم يعترض عليها طعنوا في فصاحته وأعرضوا عنه [60]
ويعد أقدم شعر نقله اللغويون ورواه سيبويه عن شيوخه يعود الى ثلاثة قرون ونصف القرن قبل الهجرة كشعر جذيمة الأبرش، والزباء أعصر بن سعد ولكن ما وصل الى الغويين من هذا العهد شيء قليل جدا لأنهم لم يقصدوا القصائد وإنما كانت لهم أبيات يقولونها في حاجتهم .
وأما من قصد القصائد فأمثال المهلهل، وزهير بن جناب، وعبيد الأبرص وسعد بن مالك وأقدمهم يسبق الهجرة النبوية بقرنين  على الاكثر وامتد الشعر الذي نقله النحويون واستششهدوا به الى اواخر القرن الثاني للهجرة وكان شعر ابن هرمة(ت176هـ) آخر ما احتجوا به وقد وقفوا عنده لتفشي اللحن بعد ذلك في الحواضر.
أما بالنسبة للبادية فظلت فصيحة لعزلتها وسلامتها من الاختلاظ بالأعاجم إلى أن أخذ اللحن ينتشر بها بحلول  القرن الرابع وماكاد هذا القرن ينقضي حت خرجت الفصاحة من البادية ايضا فأعرض النحويون عن الاستشهاد بكلامهم هم أيضا.
ونخلص من ذلك أن الطبقات التي احتج بها النحويون هي :
1-   طبقة الجاهليين: وهم الذين سبقو ظهور الاسلام كامرئ القيس والأعشى وطرفة بن العبد
2-   طبقة المخضرمين: وهم الذين عاصروا الجاهلية والاسلام كحسان بن ثابت ولبيد وكعب بن زهير
3-   طبقة الاسلاميين كجرير والأخطل والفرزدق وتنتهي بابن هرمة (توفي 176هـ)
وامتنع النحويون عن الاحتجاج بـالطبقة الرابعة لتفشي اللحن فيها وهي طبقة المولدين أو المحدثين وهم  من جاء بعدهم إلى زماننا هذا كبشار وأبي نواس  والبحتري وأبي تمام والمتنبي وغيرهم.

الفصل الثاني
القياس
المبحث الاول
مفهوم القياس
يراد به التقدير ورد في لسان العرب أن قاس الشيء يقيسه قيسا قياسا واقتاسه وقيسه إذا قدره على أمثاله[61] وجاء في المعجم الوسيط أن القياس  في اللغة هو رد الشيء الى نظيره[62]
و القياس أيضا هو التسوية بين شيئين لأن تقدير الشيء بمثاله تسوية بينهما يقال فلان يقاس بفلان بمعنى يساويه[63]
أما في الاصطلاح
هو حمل الشيء على الشيء بجامع[64] وهو إلحاق الفرع بالأصل بجامع، وهو إجراء حكم الاصل على الفرع لجامع[65]
ومثل ذلك حمل ما لم يسم ىفاعله على الفاعل بجامع الاسناد اذ ان كلا منهما اسند الى الفعل فرفع نائب الفاعل قياسا على الفاعل بجامع الاسناد، ويسمى هذا الجامع علة فالقياس جرى بحمل  المقيس أو الفرع وهو نائيب الفاعل على المقيس عليه أو الأصل وهو الفاعل في حكم الاعراب وهو الرفع بجامع أو بعلة مشتركة هي الاسناد.
إذن لابد من توفر أربعة أركان في القياس المقيس عليه (الاصل) والمقيس( الفرع) والحكم، والجامع أو العلة.
المقيس عليه
 وشرط في المقيس عليه  أن يكون الاكثر في بابه لأن القياس يقتضي الحمل  على الأكثر ولهذا فإنه لا يصح الحمل على النادر والشاذ والمراد بالشاذ ما فارق القياس الذي عليه بابه يقول ابن جني: فجعل اهل علم العرب ما استمر من الكلام في الاعراب وغيره من مواضع الصناعة مطردا ،وجعلوا ما فارق  ما عليه بقية بابه وانفرد عن ذلك إلى غيره شاذا[66] .
والكثرة هاهنا غير مرتبطة  بنسبة عددية فقد يكون القليل كثيرا في بابه وقد يكون الكثير قليلا في بابه فلا يقاس عليه من ذلك قوله في النسبة الى شنوءة شنئي فلك أن تفول في ركوبة ركبي وفي حلوبة حلبي قياسا على شنئي وذلك أنهم أجرو (فعولة) مجرى (فعيلة)  لمشابهتها إياها من أوجه أن كلا منها ثلاثي وأن ثالثه حرف لين  وأن آخره حرف تأنيث  وأن "فعولا" و"فعيلا" يتوردان نحو أثيم وأثوم ورحيم ورحوم،  فلما استمرت حال فعيلة وفعولة  هذا الاستمرار جرت واو شنوءة مجرى ياء حنيفة فكما قالوا حنفي قالو شنئي  ويرد الأخفش على من يعترض على هذا القياس بأن شنئي هو العنصر الوحيد الذي جاء في  بابه على هذه الصورة من فعولة  ثالثه واو وليس ياء  فكيف يقاس على باب ليس يتكون الا من عنصر واحد قال الأخفش مجيبا " فإنه جميع ما جاء قي بابه   وقد استحسن ابن جني هذا القياس قائلا ما ألطف هذا الجواب : ومعناه أن الذي جاء في " فعولة " هو هذا الحرف  والقياس قابله ، ولم يأت فيه شيء بنقضه ( أي من السماع) فإذا قاس الانسان على جميع ماحجاء  وكان أيضا صحيحا في القياس مقبولا فلا لوم[67]
المقيس 
وهو المحمول على كلام العرب وعلى سمته فقد يكون المقيس لفظا غير منقول وغير مستعمل عند المتكلم فيستحدثه بحمله على ما يستعمله و يعرفه من نظائره من المنقول فهو لم يستعمل كل حال ولا كل فاعل ولا كل مفعول ولا كل اسم آلة يقول من الفعل صفا مفاة قياس على نظائره مما هو مستعمل ومختزن في ذاكرته نحو مقلاة ومكواة ومرآة وان لم ينطق بها من قبل.
وهناك ضرب من المقيس يكون حكمه معلوما ثابتا بالنص وبدليل السماع ولكنه لا يستحق هذا الحكم بالأصالة كحمل ما الحجازية على ليس في العمل وأصلها أن لا تعمل لأنها غير مختصة بفعل أو بإسم، وذلك لعلة اشتراكها مع ليس في معنى النفي  فالنحوي يرى أن هذا القياس هو قياس المتكلم وليس قياسه هو ولذلك ينسبه الى المتكلم إذ ليس له فيه إلا فضل الاكتشاف وفي ذلك يقول سيبويه" أما أهل الحجاز فيشبهونها بليس إذ كان معناها كمعناها[68]
ومما سبق نتبين أن شرط المقيس أن يربطه بالمقيس عليه جامع يسمى علة حتى يلحق المقيس بالمقيس عليه في الحكم وهذا الجامع يرد على وجوه فقد يكون علة أوجبت حكما واحدا في المقيس والمقيس عليه وقد يكون ضربا من الشبه أوجب للمقيس حكم المقيس عليه....
المبحث الثاني :
أقسام القياس
إذا نطرنا الى الأقيسة التي يجريها سيبويه في كتابه فإننا نستطيع ردها الى قياسين قياس أصلي وسماه بعض المحدثين قياس استقرائي وسماه أخرون القياس استعمالي كما سماه غيرهم قياس الأنماط[69] وقياس تعليلي وقد سماه بعضهم قياس الأحكاموسماه غيرهم قياس شكلي[70]
القياس الاصلي
هو حمل المنقول على غير المنقول كإلحاق كلمة بما يناظرها في الصيغة أو إلحاق تركيب بما يناظره في البنية في حكم قد ثبت واطرد باستقراء كلام العرب فمثال الأول أن تستحدث من الفعل مشى اسم مكان ولم تكن قد سمعته من قبل فتقول ممشى قياسا على ملهى ومرمى ....
ومثال الثاني أن يلحق المتكلم مفعولا به غير منقول عنده ولم يستعمله من قبل في التركيب مفعولا منقولا ومعلوما عند نحو قوله كلمت أردشيرَ أمس فينصب (أزدشير) غير المنقول على ما عرفه واستعمله مما اختزنته ذا كرته من نظائر لهذا التركيب الذي يشتمل على مفعول نحو كلمت عليا أمس ، وسألت محمدا أمس وقابلت زيدا  البارحة....
وغاية هذا القياس انتحاء سمت  كلام العرب   وإجراء كلامنا على كلامهم وهو وسيلة لاكتساب اللغة وتنميتها بانتاج ألفاظا جملا  بحملها على نظائرها وهو حصنا للمحافظة على النحو وبنى العربية الإفرادية منها والتركيبية فتجري بذلك اللغة بين المتكلمين على أجيال متعاقبة على سمت واحد وفي فائدته يقول الشيخ محمد الخضر حسين " ولو صح أن يضع الواضع  لكل معنى لفظا يختص به لكان الحرج التي تقعفيه اللغة أن تضيق المجلدت عن تدوينها، ويتعذر على البشر  حفظ ما يكفي على اختلاف فنونها، وتباين وجوهها ، فالقياس طريق يسهل بها القيام على اللغة ، ووسيلة تمكن الانسان من النطق بألاف من الكلم والجمل دون أن تقرع سمعه من قبل أو يحتاج في الوثوق من صحة عربيتها إلى مطالعة كتب اللغة أو الدواوين لمنثور العرب ومنظومها[71]
وعن طريق هذا القياس يستطيع اللغويون والعلماء استحداث ألفاظ ومصطلحات جديدة وذلك بإلحاقها  بمثل صيغ  العربية وقوالبها كحمل الفظ قاطرة على قافلة وحمل اللفظ طباعة أو صحافة على المنقول من كلام العرب ، كتجارة وزراعة ، ثم إن القياس كان وسيلتهم في اكتشاف مثال الكلمة وبنائها واكثشاف البنية العاملية المتناظررة ، وذلك بحمل الكلم أو الجمل المتناظرة بعضها على بعض فتبرز البنية التي تجمع النظائر في الباب الواحد  وهذا عمل رياضي يسمى الآن بتطبيق النظير على النظير[72]
  القياس التعليلي
    هو "حمل فرع على أصل بعلة"
وأمثلة ذلك:
·      حمل الفعل المضارع على اسم الفاعل الإعراب بعلة المشابهة الحاصلة بين الفرع والاصل  وهو الاسم فالاسماء معربة بالأصالة أما الفعل المضارع فإنه استعار اإعراب من مشابهته لاسم الفاعل وذلك من وحوه:
الوجه الأول : الاختصاص بعد الشياع، ومثاله أن تقول ( يقوم) فيصلخ للحال والاستقبال  فإذا أدخلت عليه السين  اختص بالاستقبال  وكذلك الشأن مع الاسم تقول( رجل) فيصلح لجميع الرجال ، فإذا أدخلت عليه الألف واللام وقلت ( الرجل) صار يختص عندئذ برجل بعينه ؛ إذن فإن كليهما يختصان بعد شياعهما
الوجه الثاني : أن الفعل المضارع تدخل عليه  لام الابتداء المزحلقة كما تدخل على الاسم فتقول : إن عليا ليسافر ، كما تقول إن عليا لمسافر.
الوجه الثالث: أن الفعل المضارع يجري على اسم  الفاعل في حر كاته وسكونه فإن الفعل ( يضرب) مثلا على وزن ضارب فب حركاته وسكونه  وليس في مثاليهما
الوجه الرابع : أن الفعل المضارع  يكون صفة كما يكون الاسم إذ تقول  مررت بطفل يلعب كما تقول مررت بطفل لاعب[73]  
·      والأصل في الأسماء أن تكون معمولة لا عاملة وإنما أعملت "إذا" الجزم لأنها أشبهت إن الشرطية في المعنى وعملت المشتقات عمل فعلها لمشابهتها أياه في المعنى
·      ومن هذا  القياس حمل أخوات إن على الفعل الذي تقدم مفعوله على فاعله فسميت لأجل ذلك حروفا مشبهة بالفعل، ومن وجوه شبهها أنها بمعنى الفعل فإن: بمعنى أكدت وكأن بمعنى شبهت ولعل بمعنى ترجيت وليت بمعنى تمنيت  ولكن بمعنى استدركت ، كما تشبهها في دخول نون الوقاية عليها كدخولها على الأفعال، كما تشبهها  في بنائها على الفتح وأنها على ثلاثة أحرف
·      والأصل في الفعل (تقول)أن يتعدى إلى مفعول واحد ولا يدخل على ما أصله مبتدأ وخبر ولكن العرب تشبه هذا الفعل بتظن إذا جاءت بعد استفهام فتنصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر يقول سيبويه"...إلا تقول في الاستفهام شبهوها بتظن...وذلك قولك: متى تقول زيدا منطلقا وأتقول عمرا مننطلقا وأكلّ يوم تقول زيدا منطلقا"[74]
ففي هذا القياس يخرج الفرع عن أصل بابه ويلحق بأصل باب آخر ويكون مثله في الحكم بعلة المشابهة .


[1] مبادئ في أصول النحو،د/بن لعلام مخلوف ، دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع ،ص 5-6
[2] الإغراب في جدل الأعراب ولمع الأدلة في أصول النحو،ابن الأنباري ،ت:سعيد الأفغاني ، مطبعة الجامعة السورية، سنة1957-ص8
[3] المرجع نفسه ص80
[4] الاقتراح في أصول النحو ، السيوطي ت: محمد حسن سعيد اسماعيل الشافعي، دار الكتب العلمية ،بيروت-لبنان،ط1،1988ص13
[5] الإغراب في جدل الأعراب ولمع الأدلة في أصول النحو،ابن الأنباري ،ص80
[6] مبادئ في أصول النحو،د/بن لعلام مخلوف ، دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع،ص11
[7] ينظر:مبادئ في أصول النحو،د/بن لعلام مخلوف ، دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع،ص11-12
[8] ينظر:المرجع نفسه ص12
[9] ينظر،المرجع نفسه ص13
[10] مقدمة لدراسة علم اللغة ،د/ حلمي خليل ، دار المعرفة الجامعي –الاسكندرية-1999،ص12-18
[11]  أصول النحو العربي،د/محمد عيد، عالم الكتب- القاهرة- 1982،(انظر أبواب الكتاب)
[12] الاستدلال والبناء ،بناصر البوعزاتي، دار الأمان، المغرب،ط1،1999ص187
[13] مبادئ في أصول النحو،د/بن لعلام مخلوف ، دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيعص16
[14] ينظر : الأسس المنهجية للنحو العربي د/ حسام أحمد قاسم –دار الآفاق العربية ط1،2006،ص277
[15] مبادئ في أصول النحو،د/بن لعلام مخلوف ، دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع ص17
[16] كتاب سيبويه، تحقيق: عبد السلام محمد هارون ،ج1  ،دار الكتب العلمية –بيروت-ط1،1983 ص266
[17] المصدر نفسه ج1 ص299
[18] الخصائص، ابن جني – تحقيق: محمد علي النجار،ج1، دار الكتاب العربي-بيروت-  ص244
[19] ينظر: المنصف،ابن جني تحقيق ابراهيم مصطفى وعبد الله أمين،ج1، إدارة احياء التراث القديم  -مصر-ط1،1954ص22
[20] ينظر: مبادئ في أصول النحو،د/بن لعلام مخلوف ، دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع ص24-25
[21] كتاب سيبويه 4/335
[22] بحوث ودراسات في اللسانيات العربية،د/عبد الرحمن الحاج الصالح،موفم للنشر،ط1،2007،1/246
[23] الخصائص،ابن جني،ص54
[24] كتاب سيبويه 4/399
[25] الخصائص ابن جني1/64-65
[26]المصدر نفسه ج2،ص299
[27] الإيضاح في علل النحو ، الزجاجي، ،ت:د/مازن المبارك ، دار النفائس ،ط5،1986،ص16
[28] مبادئ في أصول النحو،د/بن لعلام مخلوف ، دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع ص24-25
[29] أصول النحو العربي، د//محمد أحمد  نحلة –دار المعرفة الجامعة-قناة السويس الشاطبي ،2004،ص13
[30] الاقتراح، السيوطي، ص24
[31] ينظر:السماع اللغوي العلمي عند العرب ومفهوم الفصاحة ،د عبد الرحمن الحاج  الصالح ،موفم للنشر ، الجزائر، ط1،2007،ص38-39
[32] الاغراب في جدل الاعراب  ولمع الأدلة، ابن الأنباري،ص66
[33] المصدر نفسه ص85
[34] الاغراب في جدل الاعراب  ولمع الأدلة، ابن الأنباري،ص81
 [35]السماع اللغوي العلمي عند العرب ومفهوم الفصاحة، د عبد الرحمن الحاج  الصالح،ص257-258
[36] المرجع نفسه، ص260-261
[37] المقتضب ، المبرد،2/130-131
[38] الاقتراح –السيوطي-ص43-44
[39] الانصاف في مسائل الخلاف، ابن الانباري 2/583 المسألة الخامسة80
[40] الاقتراح السيوطي ص42
[41] همع الهوامع-السيوطي،ت:أحمد شمس الدين،دار الكتبالعلمية بيروت لبنان ،1998
[42] الانصاف، ابن الانباري
[43] اسرار العربية ، ابن الانباري تحقيق : محمد حسين شمس الدين،دار الكتب العلميةبيروت لبنان ط1،1997
[44] كتاب سيبويه 2/115
[45] أصول النحو دراسة في فكر الانباري ،د/محمد صالح،دار السلام  للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، الاسكندرية ط: سنة 2006
[46] المنصف ابن جني،1/307
[47] كتاب سيبويه 1/148
[48] انظر المرجع السابق ص1/290-1/176
[49] الاقتراح ، السيوطي، ص25-26
[50] شرح تسهيل الفوائد وتكميل المقاصدأ ابن مالك ،تحقيق د/عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون، هجر للطباعة،ط1، سنة 1990-3/277
[51] البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي-مكتبة النصر الحديثة ، الرياض،دت،ص1/47،48
[52] دراسات في اللغة اعربة وتاريخها- محمد الخضر حسين- المكتب الاسلامي –مكتب دار الفتح ،دمشق،ط2،ص32،33
[53] ينظر:مبادئ في أصول النحو ، د/بن لعلام مخلوف،ص:49
[54] ينظر: القياس فب اللغة العربية،دمحمد حسن عبد العزيز، دار الفكر العربي ،ط1،1995،ص84
[55] ينظر: مبادئ في أصول النحو ، د/بن لعلام مخلوف،ص50/51
[56] كتاب سيبويه ،2/393-394
[57] ينظر الاقتراح، السيوطي،ص29،31
[58] ينظر:مبادئ في أصول النحو ، د/بن لعلام مخلوف،ص:54/55
[59] مقدمة لدراسة علم اللغ ،د/ حلمي خليل، دار المعفة الجامعية، الاسكندرية ،1999،ص114
[60] السماع اللغوي العلمي عند العرب ومفهوم الفصاحة،د/الحاج الصالح،ص 364
[61] لسان العرب، ابن منظور،ت:نخبة من الاساتذة هم: عبد الله علي الكبير ، محمد  أحمد حسب الله ، هاشم الذالي ، د ط، د ت، 5/3793 المادة قيس
[62] المعجم الوسيط، ت: د/ ابراهيم أنيس ود/عبد الحليم منتصر ،سنة 1973،2/800
[63] أصول الفقه، محمد زكريا البريدسي مطبعة دار التاليف،ط2،سنة1961 ص231
[64] انظر بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، د/الحاج الصالح، موفم للنشر ، الجزائر،ط1،سنة2007،2/49
[65] انظر الاغراب في جدل ولمع الأدلة أبو البركات الأنباري ص93
[66] الخصائص ابن جني ،1/97
[67] الخصائص ابن جني 1/ 116،117
[68] كتاب سيبويه1/57
[69] أصول النحو عند ابن مالك ، د خالد سعد شعبان ، مكتبة الآداب ، القاهرة ، ط1، سنة 2006ص152
[70] أصول النحو عند ابن مالك د/خالد شعبان ، 152
[71] دراسات في اللغة الغربية وتاريخها-محمد الخضر حسين-ص25
[72] النظرية لخليلية الحديثة – عبد الرحمن الحاج الصالح- مجلة اللغة والأدب الصادرة عن معهد اللغة العربية وآدابها بجامعة الجزائر، العدد 10،1996،ص95
[73] أنظر أسرار العربية –ابن الانباري ، ص35
[74] كتاب سيبويه:1/122

1 commentaire:

  1. للمزيد زرونا علىhttps://www.facebook.com/groups/565741236787757/

    RépondreSupprimer